الشيخ محمد الفحام
من جوامع الكلم النبوي || 339

من جوامع الكلم النبوي || 339

نَيْلُ الجَنَّتَيْن في بِرِّ الوالِدَيْنِ

كُتبت منذ أسبوعين

شارك المقال عبر :

 عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله :

«رضَا الرَّبِّ في رِضَا الوالِدَيْن، وسَخَطُهُ في سَخَطِهِما»

| الطبراني والبزار بسند صحيح |

·رضا الرَّبِّ؛ الْمَرْهونُ في الأَوامِرِ والنَّواهِي لا سيَّما ما نَحْنُ بِصَدَدِهِ وهو البِرُّ بِما يَتَعَلَّقُ بِحَقِّهِمَا الكامِلِ دونَ نُقْصانٍ، وعلى مُسْتَوى التَّنْفِيذِ الْمُطْلَقِ مِنْ غيرِ اعتراضٍ لِلْعِلَّةِ الثابِتَةِ التي تقولُ: بأَنَّ حَقَّهُما لا عَلاقَةَ له بالقِياس، أو الْمُقابِلِ لا سيَّما والآياتُ الكريمةُ تُتَرْجِمُ تلكَ الحَقيقةَ بِجِلاءٍ منها؛ ما يَحْفَظُهُ القاصِي والدَّاني والعالِمُ والجاهِلُ وهي قولُه تعالى: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلاً كَرِيماً) فَمَنْ بَلَغَ سُدَّةَ الرِّضا الإلهيِّ بَلَغَ كمالات السعادة دونَ أَدْنَى شَكٍّ، ذلكَ أَنَّ مَنْ رضِيَ اللهُ تعالى عنه ذُلِّلَتْ له الصِّعابُ، وجُعِلَ في عين الله تعالى التواب، وذلِكَ بالعِنايَةِ والرِّعايَةِ ولا يأْتي إلَّا إلى مَسالِكِ الخَيرِ، ويُجَنَّبُ مَدارِكَ الشَّرِّ بِلطائِفِ تلكَ العِنايَةِ، حتى وإنْ زَلَّتْ قَدَمُهُ يوماً فإنه ينيبُ إلى الله تعالى بسرعة، ويؤوب إلى مولاه بِحَزْمٍ وعَزْمٍ في ظِلِّ التَّحَقُّقِ بِبَيانِ الحَقِّ سبحانه القائل: (إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ إِذَا مَسَّهُمۡ طَٰٓئِفٌ مِّنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبۡصِرُونَ)، فَفِي العاجِلَةِ يُرافِقُهُ اللُّطْفُ الإلهيُّ في حِلِّهِ وتِرْحالِهِ، وفي الآجِلَةِ القَبُولُ مع السَّتْرِ في رحابِ رياضِ ثمراتِ الرِّضا الإلهيِّ الذي كانَ هو موعودَ الحبيبِ الأعظمِ في الدنيا، وتَأَمَّلْ معيَ هذا البيانَ النَّبَوِيِّ يومَ سُئِلَ عليه الصلاة والسلام: ما حَقُّ الوالِدَيْنِ على ولَدِهما؟ قال: «هما جَنَّتُكَ ونارُكَ» كَما في ابنِ ماجَه 

·في رضا الوالدين؛ عَبْرَ إسعادِهِما بالكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ، والكِفايَةِ التَّاَّمِة، والإِعْزازِ الدائمِ في السِّرِّ والعَلَنِ، وتوليدِ طاقاتِ الرَّاحَةِ النَّفْسِيَّةِ فإنَّ ذلِكَ مِنْ أَهَمِّ العوامِلِ التي المثمرة دعاءً مبروراً ورجاءً مأمولاً، أَضِفْ إليه الإجلالَ لِحِفْظِ الحُرْمَةِ لاسيَّما في الغَيْبَة. والأدَبَ بين يَدَيْهِما أمامَ النَّاسِ. وإضافةً إلى ما ذُكِرَ؛ اليَقِينُ الْمُطْلَقُ في أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ نَفْسَهُ أَرْضاً يدوسانِها لَكانَ ذلك أدنى البر ومدخلاً خسيباً لنتاجٍ إجتماعيٍّ ناجع، ولا غَرابَةَ فَإِنَّ الْمَوْلَى الكَريمَ نَهَى عنْ أَدْنَى إساءَةٍ لَهُما وهي كَلِمَةُ (أُفٍّ) الْمُتَرْجِمَةِ لِلضَّجَرِ الخَفِيفِ جِداً، والتي هي النَّفْخَةُ البَسِيطَةُ التي لا تَكَلُّفَ فيها ولا جُهْدٍ، وكَما وَرَدَ عن بعض السَّلَفِ أنَّهُ لَوْ كانَ هنالِكَ كَلِمَةٌ أَخَفَّ مِنْها لَنَهَى اللهُ تعالى عنها. 

·ثم اعلم أَيُّها الابْنُ أَنَّهُ لَمَّا قَرَنَ سبحانَهُ وتعالى عبادَه بالإحسانِ إليهِما عَبْرَ حَرْفِ العَطْفِ (الواو) الذي يُفِيدُ التَّشْريكِ دَلَّ على أَنَّ أَيَّ عَمَلٍ من العبادات عندَهُ جَلَّ وعَزَّ غيرُ مَقْبُول ما لم يقترن ببر الوالدين، أو ما داما ساخطين. لذا كانَ الخِتامُ بقولِهِ ؛ «وسَخَطُهُ في سَخَطِهما». 

· وسَخَطُهُ في سَخَطِهما؛ والسَّخَطُ هو الغَضَبُ لِأيٍّ مِنَ التَّصَرُّفاتِ، نعم! وإنْ كانَ الابنُ صاحِبَ حَقٍّ، فَحَقُّهما أَكْبَرُ، ولا يمكن أن يدانى مطلقاً بطرائقِ التَّوازُنِ كَأَنْ يقولُ الولَدُ لِأَحَدِهما هذا لَكَ وهذا لي، كيف؟ ويَنْبَغِي أنْ يكونَ كُلُّهُ بينَ يَدَيْهِما كالْمَمْلوكِ.

وعليه؛ فَطاعَتُهُما مِنْ طاعَةِ اللهِ، بل إنَّها مِنْ أَعْظَمِ القُرُباتِ لِكَوْنِ العقوقِ مِنَ الكبائرِ. وتَسْأَلُنِي؛ ما لَوْ أَمَرا بِمُخالَفَةٍ شَرْعِيَّةٍ، فهَلْ يُطاعانِ؟ أَبَداً لا!؟ ، فالقاعِدَةُ الْمَحْفُوظَةُ تقول: لا طاعَةَ لِمَخْلوقٍ في مَعصِيَةِ الخالِقِ، ولكِنْ لا مُسَوِّغَ حيالَ ذلك لِلْعُقوقِ، فَلا يَجوزُ الزَّجْرُ والنَّهَرُ ورَفْعُ الصوتِ والإسقاطُ والامْتِهانُ أَبَداً وإنْ كانا مُبْطِلَيْن، فقط يَكْفِي عَدَمُ التَنْفِيذِ بالسُّكوتِ والانْسِحابِ بأَدَبٍ يَمْنَعُ كَسْرَ الخاطِرَ، فَيَغْدُو عُقوقاً وأَخْطَرُه وأَمَرُّه إثارةُ الأمر بالنقاشِ والجَدلِ والتعالُم. 

· خِتاماً اللَّهُمَّ! اجْعلْنا مِنَ الأَبْرارِ البَارِّين يا مَنْ قُلْتُ وقولُكَ الحَقُّ: (لَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ لَهُمۡ جَنَّٰتٌ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۗ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٌ لِّلۡأَبۡرَارِ).