الشيخ محمد الفحام
أيام العشر فضل كريم وخير عميم

أيام العشر فضل كريم وخير عميم

بقلم: الشيخ محمد الفحام

كُتبت منذ شهر

شارك المقال عبر :

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد؛

فإنَّ ربَّنا الكريمَ الجليلَ يقول: (وَالْفَجْرِ*وَلَيَالٍ عَشْرٍ*وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ*وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ*هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ)[الفجر:1-5]  يُقْسِم مولانا الجليل بالفَجْرِ والليالي العَشْرِ وما بعدَهما لِلإِشارةِ إلى قدرِها العظيمِ وشأنها الجليل وأنَّه سبحانه لا يُقْسِمُ إلا بِعظيم .

هذا؛ وموسِمُنا الْمُخَيِّمُ اليومَ هو تلك الليالي المباركة التي جُعِلَتْ باباً لِلدُّخولِ في محرابِ السَّكينة والطُّمَأْنينَةِ والراحةِ لا سيما في طرائقِ المكابَدَةِ التي يَعيشُها العبدُ وهو يَشْهَدُ مَدَّها وجَذْرَها وشِدَّتَها وآلامَها، فَيأْوِي إلى تلك الرِّحابِ العُلوية لِلإيناس، ويَسْتَقِرُّ في رحابِها لِلتَّزكيةِ والتَّخْلِيَةِ من أجل أنْ يُزَيِّنَهُ المولى سبحانه بِتَحْلِيَةٍ تَليقُ بفضلِه ورحمتِه لذا رأَيْنا السيِّدَ الأَعظمَ  يُرَغِّبُ بها مِنْ أَجْلِ اغْتِنامِها، والحِرْصِ على العملِ الصالحِ المبرورِ فيها بقولِه: فيما رواه البخاري والترمذي وغيرهما من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ((ما مِنْ أيامٍ العملُ الصالحُ فيها أَحَبُّ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ فيها مِنْ هذه الأَيام)) -يعني أيام العشر- قالوا: يا رسولَ الله! ولا الجهادُ في سبيلِ الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلٌ خرجَ بنفسِه ومالِه، ثم لم يَرْجِعْ مِنْ ذلك بشيء)).

وهنا يَكْمُنُ اللَّفْتُ النبويُّ الرائعُ إلى عمومِ الأعمال الصالحة للإشارة إلى التنويعِ الذي يَنْبَغِي أنْ يَنْتَبِهَ إليه مُغْتَنِمُ المواسم المباركة أنَّ العبادةَ فيها ليست مَقْصورةً على الصيام والقيام والأذكار، بل هي مُرْتَبِطَةٌ بكلِّ عملٍ صالحٍ رُتِّبَ عليه ثوابٌ وأَجرٌ مِنَ اللهِ تعالى؛ كإماطةِ الَأَذى عن الطريقِ، وعونِ الأَخِ أخاهُ في شؤونِه الحياتية، وتفريجِ كُربتِه، والمشيِ في حاجتِه، والبحثِ عن المحتاجينِ والْمُعْوَزِين، والحرصِ على جَبْرِ خاطرِ العبادِ بكلِّ ما يُوَلِّدِ الأَمَلَ الحياتيَّ لكلِّ مُقِلٍّ أو مَكروبٍ، والإحسانِ بمعناه العامِّ ؛ كَحُسْنِ الجِوارِ، وبرِّ الوالدين، وصِلَةِ الأَرحامِ ورحمةِ الصغيرِ، وصِلَةِ الأَخِ في الله، وبرِّ الكبير، والإحسانِ لِكُلِّ أَحَدٍ، فهذه العباداتُ وأمثالُها مِنْ جملةِ الأعمالِ الصالحةِ الْمُسْتَثْمَرَة في تلك الأَيام التي وجَّهَ إليها النَّبيُّﷺ أمته.

أقول: إنَّها مِنْ أَحَبِّ الأيامِ عند الله تعالى كما ورد في الطبراني بإسنادٍ جيِّدٍ عنه ﷺ : ((ما مِنْ أيامٍ أَعْظَمُ عند الله، ولا أَحَبُّ إلى اللهِ العملُ فيهنَّ مِنْ أيامِ العشر، فأَكْثَروا فيهنَّ مِنَ التسبيحِ، والتَّحميد، والتهليل، والتكبير)) أي: إنَّ الباقيات الصالحات هي من الطاقات الناهِضَة لِهِمَّةِ العبدِ في أيامِ العشرِ فبِها نورُ العقلِ وضياء القلبِ وسُمُوُّ الروحِ لأنَّها جُمَلُ الإِجلالِ لِلذَّاتِ الإِلهيَّة فالتَسْبيحُ تَنْزيهٌ، والتَّحميدُ اعترافٌ بالنِّعَمِ، والتَّهليلُ توحيدٌ خالِصٌ، والتكبيرُ تعظيم.

هذا؛ وفي الشُّعبِ للبيهقي مِنْ حديثِ ابنِ عباس رضي اللهُ تعالى عنهما قال: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: ((ما مِنْ أيامٍ أَفْضَلُ عند اللهِ ، ولا العملُ فيهن أَحَبُّ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ مِنْ هذه الأَيام - يعني العَشر- فأَكْثِروا فيهنَّ مِنَ التهليل والتكبير، وذِكْرِ اللهِ، وإنَّ صيامَ يومٍ منها يُعْدَلُ بصيامِ سنةٍ، والعملُ فيهنَّ يُضاعَفُ بسبعمائة ضِعف)).

خِتاماً؛ لا تَنْسَ أخي المسلم مُضاعفةَ الأَعمالِ الصالحة في خُلاصَةِ تلك الأيامِ المباركة يومَ عَرَفَةَ الذي ضَمِنَ بصيامِه السيدُ الأكرمُ ﷺ: تكفيرُ سنتين مِنَ العمرِ سابقةٍ ولاحِقة وفي ذلك ما فيه مِنْ ضمانِ قِطافِ الثَّمَرِ اليانِعِ في آخِرِ يومٍ مِنْ أيَّامه ففي الصحيح عنه ﷺ: ((صيامُ يومِ عرفةَ إني أَحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي بَعْدَهُ والسَّنَةَ التي قَبْلَهُ)).

وتلك هي خُلاصةُ الخلاصة غنيمةً لِكُلِّ مَنِ اغتنم فرصة إقبالِ موسِمِ الخيرِ الإلهي على عبادِهِ وربُّنا سبحانَه يُحِبُّ العاملين الربانيِّينَ الْمُقْبِلينَ عليه، فَمَنْ أَقْبَلَ على اللهِ أَقْبَلَ اللهُ عليه.

أجل!  فإنَّه مَنْ أَقْبَلَ على اللهِ بِهِمَّةِ الإيمانِ وعَزيمَةِ الإِحْسانِ أقْبَلَ اللهُ عليه بنور الجَنان الموصل إلى الجِنان ودرجاتِ الإيقانِ الْمُثْمِرَةِ معرفةً بالديان سبحانه.

فاللَّهم!  اجعلْ برَكاتِ العَشْرِ تَعُمُّ الجميع بتمامِ العافية والرَدِّ الجَميلِ ، واشْمَلْ بخيراتِها أُمَّةَ حبيبِكَ المصطفى ﷺ بمنِّكَ وكَرَمِكَ ولُطْفِكَ، وعُدْ بِعوائدِ الإِحسانِ على الجميع بحرمة سيد ولد عدنان ﷺ آمين يا رب العالمين.

(دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[يونس:10]